Skip to main content
فكرتان متوازيتان لا تلتقيان ...
تعيش
في العالم فكرتان : واحدة تنظر بجرأةٍ في ظلام الحياة الغامضة وتسعى إلى
حل هذا الغموض ، والثانية تعترف أن هذه الأسرار لا تُفسَّر فتعبدها خوفاً
منها .
الأولى لا تؤمن بوجود ما لا يمكن معرفته ، وإنما تؤمن بوجود غير المعروف ، بينما تؤمن الثانية أن العالم مجهولٌ إلى الأبد .
الأولى تسير عبر ظواهر الوجود ، وتتعرض دون وجل إلى كل ما يصادفها في
طريقها الصعب ، وترغم حتى الحجارةَ الصماء على رواية قصة بدء الحياة
بأسلوبٍ بليغ . بينما تتنقل الثانية بهلعٍ من جانب إلى جانب محاولةً أن تجد
مبرراً لوجودها وتفشل .
الأولى تهب
أحياناً نفسها إلى آلام الشك في قوتها ، لكن صقيع الشك يقويها فتهبُّ من
جديدٍ لترى غاية الوجود في العمل . أما الثانية فهي تعيش باستمرارٍ في
الخوف أمام ذاتها ، فيبدو لها أن هناك شيئاً ما ـ غيرها ـ أرقى منها يحفظ
سر الوجود بصورةٍ مرعبةٍ .
هدف الأولى هو الحركة الدائمة من حقيقةٍ إلى
أخرى ، وعبر كل الحقائق إلى الأخيرة مهما كانت . هدف الثانية أن تجدَ في
عالمِ الحركة الأزلية والارتجاجات الدائمة نقطةً ميتةً لتثبّتَ عليها فكرةً
جامدةً فتقيّد روح البحث والنقد بسلاسل الإيحاء الحديدية .
إحداهما تتفلسف حباً بالحكمة وهي مؤمنةٌ بقوتها ببطولة ، والأخرى تفكر بخوفٍ آملةً أن تنتصر على الخوف !
الفكرتان حرتان ، لكن إحداهما ككلِّ طاقة ، بينما الثانية ككلبٍ متشردٍ
يعوي أمام كل بابٍ يُحسُّ الدفءَ خلفَه والهدوء والراحة الرخيصة .
وكثيراً ما تلتصق هذه الفكرة الثانية بالجدران متوسلة لتجلب الانتباه اليها
_ متوسلة الى الخوف الذي ابتدعته هي نفسها . انها هي التي تتفسخ فتنفث في
الأرض سمومها وتنفث القنوط ، أما الفكرة الأولى فتزين العالم بمعطيات العلم
والفن .
Comments
Post a Comment